كلمة رئيس مجلس المستشارين خلال المنتدى البرلماني للتعاون الاقتصادي المغرب – المجموعة الاقتصادية والنقدية لدول وسط إفريقيا

كلمة السيد محمد ولد الرشيد، رئيس مجلس المستشارين خلال المنتدى البرلماني للتعاون الاقتصادي المغرب – المجموعة الاقتصادية والنقدية لدول وسط إفريقيا" (سيماك)

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين،
⦁ السيدات والسادة الشركاء في المنتدى: رئيس وأعضاء برلمان المجموعة الاقتصادية والنقدية لدول وسط إفريقياــالسيماك، ورئيس وأعضاء الاتحاد العام لمقاولات المغرب؛
⦁ السيدة والسادة الوزراء؛
⦁ السيد رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي؛
⦁ السيد والي جهة العيون-الساقية الحمراء؛
⦁ السادة عمال أقاليم الجهة؛
⦁ السيد رئيس مجلس جماعة العيون؛
⦁ السيدات والسادة البرلمانيون؛
⦁ السيدات والسادة السفراء وممثلوا السلك الدبلوماسي؛
⦁ السادة رؤساء وممثلي المؤسسات العمومية وشبه العمومية والخاصة؛
⦁ السيد رئيس مجلس الجهة ورؤساء المجالس الاقليمية و مجالس الجماعات والغرف المهنية؛
⦁ السادة رؤساء اتحادات مقاولات الدول الأعضاء بسيماك؛
⦁ السيدات والسادة ممثلوا وسائل الاعلام؛
⦁ حضرات السيدات والسادة.
يطيب لي في مستهل هذا اللقاء الرفيع أن أرحب بكم جميعا، في إطار "المنتدى البرلماني للتعاون الاقتصادي المغرب – المجموعة الاقتصادية والنقدية لدول وسط إفريقيا" (سيماك)، المنعقد تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، وفي هذه الربوع العزيزة من تراب المملكة، بمدينة العيون، بما تحمله من رمزية وطنية، وعمق الانتماء الإفريقي، وأفق تنموي مشترك.
إن هذا المنتدى، الذي نلتئم اليوم في رحابه، ليجسد بحق، الترجمة الصادقة لإرادتنا الجماعية، وعزمنا الراسخ على مواصلة تمتين مسار الشراكة المتقدمة بين المملكة المغربية ودول سيماك، انسجاما مع الرؤية المتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله وأيده، في جعل التعاون جنوب–جنوب رافعة للتنمية المستدامة في قارتنا، وتجسيدا للالتزام الثابت للمملكة، بنهج الشراكة التضامنية مع أشقائها في إفريقيا.
كما يعد هذا المنتدى أيضا تعبيرا عن وعي متزايد بضرورة إرساء مقاربة جديدة في العمل البرلماني الإفريقي، تقوم على تقاطع الدبلوماسية البرلمانية والدينامية الاقتصادية، حيث نسعى إلى إرساء إطار مؤسساتي منتظم للتعاون، يجمع الفاعلين السياسيين والمُشَّرعين ورجال الأعمال والقطاعين الخاص والعام والمؤسسات المالية والخبراء، بكل من المملكة ودول سيماك، بهدف تسليط الضوء على فرص التنمية والتكامل الاقتصادي من خلال التفاعل والنقاش الرامي لتحقيق الالتقائية وتوحيد الجهود وتلاقح الأفكار وبلورة الاقتراحات والتوصيات ذات الصلة.
حضرات السيدات والسادة
منذ ستة أشهر خلت، عندما استقبلت زميلي وصديقي السيد الرئيس إيفاريست نكامانا، استحضرنا معا ذلك المثل الافريقي المأثور: " إذا أردت أن تصل سريعا، فَسِر وحدك، لكن إذا أردت أن تذهب بعيدا، فَلْنَسِرْ معاً" Si tu veux aller vite, marche seul mais si tu veux aller loin marchons ensemble
منذ ستة أشهر خلت، اجتمعنا بمقر مجلس المستشارين بالرباط، لنتفق على إحداث آلية مؤسساتية للشراكة البرلمانية والاقتصادية؛
وها نحن اليوم، نفي بما التزمنا به واتفقنا عليه.. ها نحن اليوم، نجعل من تلك اللحظة التأسيسية واقعا ملموسا، يكرس روح العمل المشترك، ويعكس إرادتنا في الذهاب معا، بخطى ثابتة، نحو أفق تنموي أرحب، يخدم مصالح شعوبنا، ويُعزز مسار التعاون البرلماني والتكامل الاقتصادي في قارتنا الإفريقية.
فمنذ قمة الدار البيضاء التاريخية، التي دعا إليها جلالة المغفـور لـه الملـك محمـد الخامس سنة 1961، والتي أَسَّست لمشروع الاندماج القاري، ظل المغرب وفيا لاختياراته الإفريقية وحريصا على أن يسير مع، وبجانب، أشقائه، ولاسيما دول سيماك، على درب التنمية المشتركة والتمكين المتبادل، والتوجه الطموح نحو المستقبل.
وضمن هذا المسار المتجدد، تواصل المملكة المغربية، بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله وأيده، ترسيخ رؤيتها الإفريقية المتبصرة، التي تتسم بتعدد أبعادها وتنوع مجالاتها وتكامل مبادراتها، إذ تجمع بين الانخراط الفاعل في العمل القاري، وتعزيز الاندماج الإقليمي إلى جانب تطوير تعاون ثنائي وثيق ومشاريع قطاعية مهيكلة.
وقد كان المغرب من أوائل الدول التي انخرطت بفاعلية في أجندة الاتحاد الإفريقي 2063، وفي تفعيل منطقة التبادل الحر القارية، وغيرهما من المبادرات الحيوية.
 كما سعى إلى بلورة تصورات جديدة للتعاون بين دول الجنوب، من خلال مبادرات استراتيجية، ومهيكلة غير مسبوقة تهم عددا كبيرا من دول القارة، على غرار المبادرات الملكية ل " إفريقيا الأطلسية"، و"تعزيز الولوج إلى المحيط الأطلسي لفائدة دول الساحل"، والتي تروم خلق فضاءات للتنمية المشتركة، قادرة على تحفيز الاستقرار، وتوسيع آفاق التكامل، وتفعيل الاندماج القاري الفعلي.
ويواكب هذا التوجه إطلاق مشاريع رائدة، تستثمر ما تزخر به القارة من إمكانات، وتستهدف القطاعات الحيوية المرتبطة بالأمن الطاقي والسيادة الغذائية. 
ويأتي في هذا السياق مشروع أنبوب الغاز الرابط بين نيجيريا والمغرب، ومبادرة "تكييف الفلاحة الإفريقية مع التغيرات المناخية"، كنموذجين للتعاون الإفريقي الناجع والمستدام.
هذا فضلا عن دينامية التعاون الثنائي، التي أرساها جلالة الملك من خلال زياراته المتعددة الميمونة للدول الإفريقية، والتي أثمرت توقيع مئات الاتفاقيات مع بلدان القارة، تحتل دول سيماك فيها مكانة وازنة.
حضرات السيدات والسادة،
إن هذا التعدد في المقاربات هو ثمرة قناعة مغربية راسخة عبر عنها جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، في قمة العمل الإفريقية سنة 2016 بقوله إن "إفريقيا يجب أن تثق في إفريقيا. وأن لا خلاص لنا إلا بوحدتنا، وتكاملنا، وتعاوننا". (انتهى النطق الملكي السامي).
ومن وحي هذه الرؤية الملكية السامية، يأتي هذا المنتدى كتجسيد حي لثقة المملكة المغربية ودول سيماك في قدراتهما الجماعية، وإرادتهما المشتركة في بناء شراكة استراتيجية حول قضايا حيوية، لا سيما في ظل التحديات الكبرى المطروحة، لعل أَبْرَزها ما تكشفه المفارقات التي تواجه قارتنا: 
 قارة تحتضن أكثر من 50% من الأراضي الزراعية غير المستغلة في العالم، ومع ذلك تظل من بين الأكثر تعرضا لانعدام الأمن الغذائي؛ 
قارة لا تتجاوز مساهمتها في الانبعاثات الكربونية 4%، ومع ذلك تعد الأكثر تضررا من تبعات التغير المناخي، وهو ما ينذر بفقدانها، وفق التقديرات الدولية، أكثر من 3% من ناتجها المحلي بحلول 2050.
إن هذه المعطيات تعكس عمق الاختلال، وتؤكد الحاجة المستعجلة إلى تفعيل آليات جماعية، مستدامة ومنصفة، لمواجهة هذا التحدي الاستراتيجي المشترك.
علاوة على ما سبق، فإن الأمن الغذائي، بما يمثله من أولوية استراتيجية، يظل مرتبطا ارتباطا وثيقا بقدرتنا على تأمين مصادر طاقة مستدامة.
إن الغذاء والطاقة هما ركيزتان متكاملتان لأي منظومة تنموية، ولا يمكن تصور تنمية مستقرة دون تحول طاقي عادل وفعال، والذي بات يشكل في حد ذاته رهانا سياديا ومفتاحا لتحقيق التكامل الإفريقي المنشود.
فبالرغم مما تزخر به إفريقيا من إمكانات هائلة في مجال الطاقات المتجددة، فإن 600 مليون إفريقي لا يزالون محرومين من الكهرباء، بل الأسوأ أنها لا تحظى سوى بنصيب ضئيل من الاستثمارات العالمية في هذا المجال.
ولا يعكس هذا الخلل فقط فجوة إنمائية عميقة، بل يُنذر بمخاطر جسيمة على حاضر القارة ومستقبلها، مما يستدعي تسريع الانتقال الطاقي بالقارة، عبر استثمار الموارد المحلية المتجددة، وتدعيم النجاعة الطاقية، مع إدماج التكنولوجيا والابتكار في سلاسل الإنتاج والتخزين والتوزيع.
ولا يخفى عنكم حضرات السيدات والسادة، أن المغرب قد اختار، تحت القيادة المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، أن يجعل من الانتقال الطاقي أولوية وطنية وقارية، وقد تمكن حتى الآن من تأمين ما يناهز ربع طاقته الكهربائية من مصادر متجددة، مع هدف الوصول إلى 52% في أفق 2030، من خلال بناء مشاريع رائدة كمركب نور للطاقة الشمسية، ومزارع الرياح في طرفاية وبوجدور وغيرهما.
كما يُعد مشروع الهيدروجين الأخضر، بغلاف مالي يفوق 10 مليارات دولار، من بين المبادرات الأكثر تنافسية على الصعيد العالمي. 
ويمثل التعاون المغربي مع دول السيماك فرصة ثمينة لبناء تحالف استراتيجي أخضر، يعزز السيادة الطاقية المشتركة، ويخدم أهداف التنمية المستدامة، لا سيما وأنها تتوفر على مؤهلات واعدة في مجالي الطاقة الشمسية والكهرومائية، رغم ضعف الاستثمار والتثمين الصناعي.
 وبالرغم مما تحقق من تقدم في هذا المجال، غير أن القطاع الخاص مدعو أكثر من أي وقت مضى إلى لعب دوره كاملا كفاعل مركزي في تعزيز المبادلات، وتنمية الاستثمار، ونقل التكنولوجيا، وبناء جسور التكامل الاقتصادي.
لذلك نعتبر أن منتدانا هذا يعد مناسبة سانحة لإرساء شراكة بناءة بين القطاعين العام والخاص، وتوسيع مجالات التعاون بيننا، ذلك أن وجود الاتحاد العام لمقاولات المغرب كشريك أساسي في هذا المنتدى، وحضور رؤساء وممثلي هيآت رجال الأعمال عن دول السيماك، يعكس إرادة حقيقية لإشراك الفاعلين الاقتصاديين في بناء الجسور، وتعزيز الاندماج الإفريقي، عبر مشاريع ملموسة، ومبادرات مشتركة.
حضرات السيدات والسادة،
ختاما، إن هذا المنتدى ليس مناسبة للتأمل والتفكير الجماعي فقط، بل لحظة تأسيسية نأمل أن تكون منطلقا لدينامية نوعية ومسار مشترك، من أجل علاقات مغرب ــ سيماك مزدهرة.. متضامنة.. ومتكاملة.
أرحب بكم مجددا في مدينة العيون، متمنيا لمنتدانا هذا النجاح والتوفيق. 
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.