
كلمة رئيس مجلس المستشارين خلال جلسة المناقشة العامة للجمعية ال 151 للاتحاد البرلماني الدولي
كلمة السيد محمد ولد الرشيد، رئيس مجلس المستشارين خلال جلسة المناقشة العامة للجمعية ال 151 للاتحاد البرلماني الدولي حول موضوع: "الالتزام بالمعايير الإنسانية ودعم العمل الإنساني في أوقات الأزمات"
جنيف 19-23 أكتوبر 2025
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السيدة رئيسة الاتحاد البرلماني الدولي؛
السيدات والسادة رئيسات ورؤساء الاتحادات البرلمانية والمجالس والوفود الأعضاء في الاتحاد البرلماني الدولي؛
السيد الأمين العام للاتحاد البرلماني الدولي؛
السيدات والسادة رئيسات ورؤساء وممثلي المنظمات الدولية والبعثات الدبلوماسية؛
حضرات السيدات والسادة الأفاضل؛
يشرفني أن أتناول الكلمة اليوم باسم برلمان المملكة المغربية، ضمن أشغال الجمعية العامة للاتحاد البرلماني الدولي، المنعقدة في موضوع: "الالتزام بالمعايير الإنسانية ودعم العمل الإنساني في أوقات الأزمات"، وهو موضوع يجسد إيمان الاتحاد الراسخ بقضية تمس جوهر الضمير الإنساني، ويمتحن قدرتنا، كمؤسسات تمثل الشعوب، على صون القيم التي تحفظ للإنسانية مكانتها وكرامتها.
إن عالمنا اليوم يواجه تحولات عميقة وأزمات متشابكة، تتقاطع فيها النزاعات المسلحة مع الكوارث المناخية، وتتداخل فيها الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، مما يجعل ملايين البشر في حاجة ماسة إلى المساعدة، حيث يتعرض المدنيون، ولاسيما النساء والأطفال، لانتهاكات جسيمة تمس الكرامة البشرية وتشكل خرقا سافرا لأحكام القانون الدولي الإنساني.
ولعل المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، تجسد النموذج الأشد إيلاما لغياب هذه المعايير، حيث تتفاقم المعاناة بفعل الحصار واستهداف مقومات الحياة الأساسية، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني.
وفي مواجهة هذا الوضع المأساوي، جسّد الموقف المغربي، بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، بصفته رئيسا للجنة القدس، التزام المملكة الثابت بقيم التضامن والسلام، من خلال الدعوة للوقف الفوري والشامل لإطلاق النار، ورفض كل أشكال التهجير القسري والعقاب الجماعي، وضمان وصول المساعدات الإنسانية، وذلك عبر سلسلة من المبادرات المتواصلة، تهم إرسال مساعدات غذائية وطبية عاجلة إلى غزة.
وفي هذا الإطار، رحبت المملكة المغربية بإعلان فخامة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية السيد دونالد ترامب التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، معبرة عن تقديرها للجهود المبذولة من قبل الوسطاء، وداعية إلى التنفيذ الكامل لبنوده بما يفتح آفاق سلام عادل ودائم للقضية الفلسطينية ويدعم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
حضرات السيدات والسادة
إن ترسيخ المعايير الإنسانية، وفي مقدمتها القانون الدولي الإنساني، يظل مسؤولية جماعية تتقاطع فيها جهود الحكومات والبرلمانات، من أجل حماية الكرامة البشرية وضمان وصول المساعدات إلى من يحتاجها. ومن هذا المنطلق، جعلت المملكة المغربية، تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، من الدبلوماسية الإنسانية نهجا ثابتا في سياستها الخارجية، قوامه التضامن الفعلي والعمل الميداني لا الاكتفاء بالشعارات.
وقد تجسّد هذا النهج من خلال مبادرات عملية إغاثية وطبية عاجلة وتنموية داخل القارة الإفريقية وخارجها، من أبرزها ما قامت به المملكة خلال جائحة كوفيد-19 بإرسال مساعدات طبية ومستشفيات متنقلة، وإطلاق المركز الإفريقي للابتكار في الصناعات الدوائية واللقاحات بالمغرب، كترجمة لرؤية جلالته الرامية إلى ترسيخ السيادة الصحية للقارة وتعزيز قدراتها الذاتية.
وفي امتداد لهذا التوجه الإنساني، تواصل المملكة المغربية التزامها الراسخ بالسلم والأمن الدوليين، من خلال إحداث المركز المغربي المتعدد التخصصات لحفظ السلام سنة 2022، والمشاركة الفاعلة في العمليات الأممية، حيث ساهم أكثر من أربعة وسبعين ألف عنصر مغربي في مهام إنسانية وطبية بمختلف مناطق النزاع عبر العالم.
حضرات السيدات والسادة
إن موضوع هذه الدورة، بما يحمله من أبعاد إنسانية نبيلة، يستحق أن يتناول بما يليق به من جدية ومسؤولية، فهو يتعلق بالضمير الإنساني المشترك وبقدرتنا، كبرلمانات تمثل الشعوب، على حماية القيم التي تصون الكرامة الإنسانية في أوقات الأزمات.
غير أن ما يبعث على الأسف، هو أن يتحول هذا الفضاء الإنساني الرفيع أحيانا إلى منبر لترويج مغالطات تتستر بشعارات “التضامن ومساعدة اللاجئين، في محاولة لتجميل واقع مأساوي مزمن تتعرض له الساكنة المحتجزة بمخيمات تندوف.
إن أشد أنواع الاستعمار، هو ذاك الذي يمارس باسم الإنسانية ذاتها على ساكنة المخيمات بتندوف، حين يحرمون من أبسط حقوقهم، حيث تدار حياتهم خارج كل إطار قانوني وإنساني منذ أكثر من حمس عقود، وتمنع فيه المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من إجراء الإحصاء، ويجند الأطفال قسرا، ويتاجر بالمساعدات الإنسانية، في انتهاك صارخ للمعايير الإنسانية ولأحكام القانون الدولي.
وفي المقابل، تقدم المملكة المغربية نموذجا ملهما لصون الكرامة الإنسانية والعيش الكريم، حيث يتمتع أبناء الصحراء المغربية بكامل حقوقهم السياسية والمدنية، ويختارون ممثليهم في المؤسسات المنتخبة، ويساهمون بحرية في تدبير شؤونهم الوطنية والمحلية ضمن تجربة ديمقراطية راسخة ونهضة تنموية شاملة يقودها جلالة الملك محمد السادس نصره الله، جعلت من الصحراء المغربية فضاء للحرية والمشاركة والتنمية الحقيقية، ومجالا يجسد على أرض الواقع جوهر مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، باعتبارها الحل السياسي الواقعي والعادل وذي المصداقية، الذي يحظى بتأييد متزايد من المجتمع الدولي، لما يمثله من تكريس للوحدة الوطنية وضمان للتنمية والكرامة لجميع أبناء الصحراء المغربية.
حضرات السيدات والسادة الأفاضل
إن الأنظار اليوم متجهة إلى هذه المحطة البرلمانية الدولية، بما تحمله من آمال في أن تفضي مداولاتها إلى نتائج عملية تعلي من شأن المعايير الإنسانية الدولية، وتمنح العمل الإنساني بعدا أكثر استدامة وفاعلية، وعلى امل تحقيق ذلك، أجدد لكم باسم البرلمان المغربي التزامنا، تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، بمواصلة العمل إلى جانب الاتحاد البرلماني الدولي وشركائنا الإقليميين والدوليين من أجل: عالم أكثر عدلا وسلاما.. عالم تُصان فيه الكرامة الإنسانية.. عالم تَتَعَزَّزُ فيه قيم التضامن والتعاون بين الشعوب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.