
كلمة السيد محمد ولد الرشيد، رئيس مجلس المستشارين في افتتاح أشغال الجمعية العامة السنوية العاشرة لشبكة البرلمانيين الأفارقة لتقييم التنمية
- السيد رئيس شبكة البرلمانيين الأفارقة لتقييم التنمية؛
- السيدة والسادة رؤساء المجالس البرلمانية الإفريقية؛
- السادة الوزراء وكتاب الدولة؛
- السيدة الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات؛
- السيد والي جهة العيون-الساقية الحمراء؛
- السيد رئيس مجلس جهة العيون الساقية الحمراء؛
- السيد رئيس مجلس جماعة العيون؛
- السيدات والسادة البرلمانيون؛
- السيدات والسادة رؤساء وأعضاء مجالس الجماعات الترابية والغرف المهنية؛
- السادة الكتاب العامون ورؤساء وممثلو المؤسسات العمومية وشبه العمومية والخاصة؛
- السيدات والسادة السفراء وممثلوا السلك الدبلوماسي؛
- السيدات والسادة الخبراء والأكاديمون ممثلوا وسائل الاعلام والمجتمع المدني؛
- حضرات السيدات والسادة.
باسم مجلس المستشارين بالمملكة المغربية، يسعدني أن أرحب بكم جميعا بمدينة العيون، في أشغال الجمعية العامة السنوية لشبكة البرلمانيين الأفارقة لتقييم التنمية في دورتها العاشرة، وذلك في حضور برلماني إفريقي وازن ورفيع، يعكس ما يجمعنا من إرادة صادقة، والتزام مشترك لدعم التعاون الإفريقي وتعزيز مسارات الحكامة والتنمية المستدامة في قارتنا.
حضرات السيدات والسادة،
لقد أضحى تقييم التنمية اليوم ركيزة استراتيجية لترشيد القرار العمومي، بالنظر للتحولات التي تشهدها الأدوات والمنهجيات والمعايير الدولية في هذا المجال، لا سيما تلك المعتمدة من قبل لجنة المساعدة الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وبموازاة هذا التطور، لم يعد التقييم يقتصر على قياس النتائج أو تتبع مؤشرات التنفيذ، بل أضحى يمتد إلى فحص جدوى السياسات، ومدى انسجامها مع الأولويات الوطنية واحتياجات المواطنين، والتحقق من اتساق اختياراتها، وفعالية تدخلاتها، وكفاءة استخدام مواردها، فضلا عن تقدير أثرها الفعلي واستدامة نتائجه.
وانطلاقا من هذا الوعي المتنامي بأهمية التقييم كدعامة للقرار العمومي، تبرز اليوم، أكثر من أي وقت مضى، الحاجة إلى ترسيخ ثقافة تقييم داخل القارة الإفريقية، باعتبارها ضرورة تنموية ملحة في ظل تفاقم الفجوات التنموية، واستمرار التحديات المرتبطة بتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وما يفرضه تدبير الموارد من حرص أكبر على ترشيد الإنفاق وتوجيه الجهود نحو المبادرات الأكثر نجاعة وأثرا.
وتتعزز هذه الحاجة، بالنظر إلى الطموحات التي تعبر عنها دول القارة من خلال مختلف منظومات التخطيط والتنمية، سواء عبر الاستراتيجيات الوطنية لمحاربة الفقر، أو من خلال النماذج التنموية الجديدة، أو في إطار أجندة 2063 للاتحاد الإفريقي.
حضرات السيدات والسادة،
إن تطوير التعاون البرلماني الإفريقي في مجال تقييم التنمية يندرج في صلب التوجه الذي تبنته المملكة المغربية في علاقتها بالقارة، والمبني على تعزيز العمل المشترك، وتثبيت منطق الشراكة القائمة على المنفعة المتبادلة واحترام الأولويات الوطنية.
وفي إطار هذه الرؤية، اعتمد المغرب، من خلال التوجيهات السامية لجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، سياسة متكاملة تجعل من الارتقاء بالقدرات الإفريقية مسارا استراتيجيا، سواء عبر دعم المبادرات الإقليمية، أو من خلال المشاريع الاقتصادية والاجتماعية التي تعزز الاندماج وتفتح آفاقا أوسع للتعاون جنوب–جنوب.
وفي امتداد هذا التوجه الإفريقي للمملكة، يكتسي انعقاد أشغال هذه الجمعية العامة في المغرب، وهنا في قلب الأقاليم الجنوبية، دلالة خاصة، ذلك أن نقاشنا حول تقييم التنمية، يجد في هذه الربوع ترجمته العملية والملموسة، باعتبارها نموذجا واضحا لما تنتجه السياسات التنموية حين تُبنى على رؤية استراتيجية وتُواكب بأدوات دقيقة للتتبع والتقييم.
فالأوراش المهيكة التي تعرفها مدن الجنوب، كالشبكة المتنوعة للموانئ، وفي مقدمتها ميناء الداخلة الأطلسي، والميناء فوسبوكراع الجديد بالعيون، والشبكات الطرقية الكبرى، كالطريق السريع تيزنيت–الداخلة، ومشاريع الطاقات المتجددة، والهيدروجين الأخضر، والمشاريع الكبرى لتحلية مياه البحر تعزز مكانة هذه الأقاليم وتفتح آفاقا واسعة للتنمية المستدامة.
وتتعزز هذه الدينامية بالمبادرات الاستراتيجية التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، مثل مبادرة إفريقيا الأطلسية، ومشروع أنبوب الغاز نيجيريا–المغرب، وهي مشاريع لا تجسد فقط استثمارات بنيوية، بل تعبر عن تصور متكامل للتنمية بوصفها مشروعا إفريقيا مشتركا، يستند إلى التقييم المستمر، ويربط الأثر المحلي بالبعد القاري.
حضرات السيدات والسادة
إننا نتطلع اليوم إلى أن تشكل هذه المحطة فرصة لبناء أسس ثقافة تقييمية برلمانية، بالاستناد إلى ثلاث ركائز مترابطة، تعكس الأبعاد التشريعية والتنظيمية والمجتمعية للتقييم.
الركيزة الأولى تتصل بإضفاء الطابع المؤسسي على وظيفة التقييم، إذ إن تفعيلها على الوجه الأمثل يستدعي إرساء إطار تشريعي متقدم، وتأهيل المنظومة القانونية المحفزة على ممارسة التقييم وترسيخ الممارسات الفضلى في مجال السياسات القائمة على الأدلة.
وفي هذا الإطار، يمكن للبرلمانات الإفريقية أن تضطلع بدور ريادي عبر مبادرات تشريعية كفيلة بضمان أرضية داعمة لتقييم السياسات، سواء بإلزام الحكومات، أو المؤسسات العمومية ذات الاختصاص، بإجراء تقييمات دورية، كما هو الشأن في التجربة المغربية التي نص فيها القانون الإطار بمثابة ميثاق الاستثمار على ضرورة تقييم فعالية أنظمة الدعم بشكل منتظم.
غير أن إرساء الإطار القانوني، حضرات السيدات والسادة، يظل غير كاف دون إحداث تحول ثقافي يجعل من التقييم ممارسة مدمجة في دورة السياسات العمومية .. ممارسة تُسهم في تنوير الخيارات في مرحلة الإعداد، وتشكل إطارا مرجعيا للتتبع والتقويم والتعديل المستمر لمسارات التنفيذ، وتؤطر قياس النتائج في مرحلة المآلات، بما يرسخ دوره كرافعة للتحديث المؤسساتي، وتحسين جودة السياسات، وتعزيز الثقة بين المواطنين والمؤسسات.
الركيزة الثانية تتمثل في البعد التنظيمي وتعزيز القدرات؛ فترسيخ التقييم كمكون مؤسسي يتطلب إنشاء وحدات برلمانية متخصصة، مزوّدة بالخبرات البشرية المؤهلة، وبالوسائل الكفيلة بضمان الاستقلالية العلمية والمنهجية، والاشتغال وفق معايير واضحة ومراجع منسجمة مع الممارسات الدولية.
وفي هذا السياق، تبرز أهمية تعزيز الاستثمار في الذكاء البرلماني، سواء على مستوى المهارات التحليلية أو الكفاءات التقنية والاجتماعية والترابية، باعتباره استثمارا مباشرا في جودة القرار العمومي، وفي شرعية العمل البرلماني، وفي ثقة المواطنين بمؤسساتهم.
الركيزة الثالثة تتجلى في جعل التقييم فضاء مشتركا، منفتحا على المجتمع بكل مكوناته، ذلك أن التقييم البرلماني لا يمكن أن يظل ممارسة مغلقة داخل المؤسسات، بل يجب أن يستفيد من خبرات المجتمع المدني، والجامعات، ومختلف الفاعلين، بما يعزز أثره ويربط نتائجه بالواقع المعيش والحاجيات الفعلية للمواطنين.
حضرات السيدات والسادة،
في الختام، أغتنم هذه المناسبة لأحيي حضوركم والتزامكم، متمنيا أن تشكل هذه الدورة محطة مضيئة في مسار شبكتنا، بما ستشهده من نقاشات غنية، وتبادل للرؤى، وبلورة لتوصيات عملية قادرة على تعزيز مكانة التقييم في قلب السياسات العمومية الإفريقية.
فلنجعل جميعا من تقييم التنمية ضمانة لفعالية السياسات، بما يستجيب لتطلعات شعوبنا الافريقية.
شكرا لكم
