كلمة رئيس مجلس المستشارين، التي ألقاها نيابةً عنه السيد لحسن حداد بمجلس النواب، وذلك بمناسبة انعقاد مؤتمر رؤساء المؤسسات التشريعية الإفريقية

كلمة السيد محمد ولد الرشيد رئيس مجلس المستشارين التي ألقاها السيد حداد نيابة عنه بمجلس النواب بمناسبة مؤتمر رؤساء المؤسسات التشريعية الإفريقية

الجلسة الافتتاحية لأشغال الجمعية العامة السنوية الثالثةلمؤتمر رؤساء البرلمانات والمؤسسات التشريعية الإفريقية، المنعقدة في موضوع:
الريادة التشريعية والدبلوماسية البرلمانية في نظام عالمي متغير
 
 
الجمعة 12دجنبر 2025، مقر مجلس النواب.
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى الهو صحبه أجمعين
  • ‏ السيد رشيد الطالبي العلمي، رئيس مجلس النواب بالمملكة المغربية؛
  • ‏ السيد Alban Sumana KingsfordBagbin، رئيس برلمان جمهورية غانا ورئيس مؤتمر رؤساء البرلمانات الإفريقية؛
  • ‏ سعادة السفير دَابُو أَويْوُلْ، الأمين العام لمؤتمر رؤساء البرلمانات الإفريقية،
  • ‏ السادة والسيدات رؤساء البرلماناتوالمجالس التشريعية الإفريقية؛
  • ‏ السيدات والسادة البرلمانيين
  • ‏ الحضور الكريم،  
  • ‏حضرات السيدات والسادة؛
يشرفني أن أتناول الكلمة، نيابة عن السيد محمد ولد الرشيد، رئيس مجلس المستشارين، في افتتاح أشغال الدورة الثالثة للجمعية العامة لمؤتمر رؤساء البرلمانات والمؤسسات التشريعية الإفريقية (CoSPAL)، هذه المنظمة التي أضحت محفلا برلمانياقاريا، يجسد إرادتنا الجماعية للارتقاء بالتعاون البرلماني بين بلداننا وتعزيز التنسيق والتشاور، وبناء رؤى موحدة تجاه التحولات المتسارعة التي يعرفها محيطنا الإقليمي والدولي.
 
وأود في مستهل هذه الكلمة، أن أرحب بكم، بدوري في بلدكم الثاني المملكة المغربية، التي غدت اليوم جسرا وثيقا بين دول وشعوب القارة، بما تحتضنه من طموح إفريقي مشترك، وبما تعكسه من حيوية سياسية ومؤسساتية متجددة، لاسيما وهي تستعد بعد أيام قليلة لاحتضان كأس إفريقيا للأمم 2025، هذا الحدث الرياضي القاري الذي يجسد، في عمقه، صورة وديناميةإفريقيا الصاعدة، إفريقيا المتضامنة.
حضرات السيدات والسادة
إن السياق الدولي الراهن، الموسوم بتحولات عميقة وتراجع لليقينيات التي حكمت العلاقات الدولية لعقود، وباتساع دوائر التوتر والاستقطاب، وتزايد الأزمات العابرة للحدود، يكشف عن عالم يمتحن قدرة الدول والمؤسسات على الاستجابة لتحديات غير مسبوقة.
 
هذا المشهد العالمي المعقد يدعونا إلى تأمل موقع إفريقيا داخل التحولات الراهنة، وتقييم جاهزية مؤسساتها التشريعية لصياغة أجوبة جماعية تُحصّن السيادة وتدعم التنمية.
 
وفي ظل هذه المتغيرات، تبرز الحاجة إلى أطر قارية تعزز الدور الاستراتيجي للبرلمانات الإفريقية في مواكبة التحولات وتوجيهها، وتحويل الإرادة المشتركة لشعوبنا إلى سياسات وتشريعات فاعلة تدعم الاستقرار وتبني مقاربات موحدة لمواجهة التحديات. 
 
لذا فإن دور البرلمانات الإفريقية اليوم يتجاوز الوظائف التقليدية، ليرتقي إلى ممارسة الريادة الفعلية:
• ريادة تشريعية تُبلور سياسات قارية ذكية تترجم أولويات التنمية وتحوّل التحديات إلى فرص؛
• وريادة دبلوماسية تصون السلم وتحصّن المصالح العليا للدول والشعوب، وتضمن حضورًا مؤثرًا لصوت إفريقيا في المحافل الدولية.
 
حضرات السيدات والسادة،
 
إن الحديث عن الريادة البرلمانية يستحضر الرؤية الاستشرافية العميقة التي عبّر عنها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، في رسالته إلى القمة الإفريقية بكِيغالي، حين أكد أن إفريقيا لم تعد مجرد موضوع في العلاقات الدولية، بل أصبحت قارة تثبت وجودها وتتحمل مسؤولياتها.
 
هذا التوجيه الملكي يجسد رؤية استراتيجية لمكانة إفريقيا في النظام الدولي الجديد، ويدعو مؤسساتها إلى امتلاك زمام المبادرة والانتقال من موقع المتلقي للتحولات إلى موقع الفاعل في صياغتها.
 
ومن هنا تكتسي أشغال مؤتمرنا، حول “الريادة التشريعية والدبلوماسية البرلمانية في نظام عالمي متغير”، أهمية خاصة في هذا المنعطف الدولي، لأن إفريقيا لن ترسخ مكانتها إلا بتطوير أدوار مؤسساتها التشريعية واعتماد رؤى وآليات قادرة على استباق التحولات بدل الاكتفاء بمواكبته
 
غير أن تسارع الزمن يضع برلماناتنا أمام تحدمزدوج: سرعة الاستجابة للأزمات من جهة، ومتطلبات النقاش الديمقراطي العميق وصنع السياسات على أسس عقلانية متينة من جهة أخرى.
والريادة التشريعية التي يدعو إليها مؤتمرنا ليست شعارا، بل مسارا يقوم على تعزيز القدرات المؤسسية، ودعم عمل اللجان، وتجويد الخبرة التقنية، وتوفير البيانات، وتطوير الرقابة والمساءلة، وإرساء تعاون برلماني قاري منتظم وفعال.
وفي هذا المسار، تكتسب المذكرة المفاهيمية للمؤتمر قيمتها الخاصة، لما تضمنته من قراءة دقيقة للتحديات البنيوية التي تواجه قارتنا، ومن تنظيم منهجي لمحاور النقاش يساعد على تعميق الرؤية وتوجيه الحوار نحو ما هو عملي وذي جدوى.
ولا شك، أن الجلسات المبرمجة - من تأمين اقتصاد إفريقيا وتحصين سيادتها، إلى بناء مؤسسات قوية وشاملة، وصولا إلى إدارة الطفرة الديموغرافية، ستوفر فضاء خصبا لإثراء ذكائنا الجماعي بأفكار عملية ورؤى متقاطعة، قادرة على تعزيز طموحنا المشترك لإفريقيا المبادرة، وفتح مسارات تشريعية ودبلوماسية نتعامل من خلالها مع هذه الرهانات الحيوية بفعالية وجرأة.
حضرات السيدات والسادة
 
اسمحوا لي أن أتوقف بإيجاز عند التجربة المغربية، لا باعتبارها نموذجًا جاهزًا، بل كمساهمة في نقاش إفريقي–إفريقي حول الإصلاح المؤسساتي والريادة التشريعية والدبلوماسية البرلمانية.
 
ففي ظل القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، اعتمد المغرب مسارًا إصلاحيًا يقوم على ترسيخ دولة القانون وتعزيز الحكامة الديمقراطية، في مقاربة متدرجة وواقعية توازن بين الاستجابة للتحديات الآنية والإصلاحات الاستراتيجية.
 
وقد تجسدت هذه المقاربة في تطوير آليات الرقابة وتقييم السياسات العمومية، وتفعيل الجهوية المتقدمة، واعتماد قوانين إطار وتنظيمية في قطاعات حيوية، بما يثري النقاش الإفريقي حول الريادة التشريعية.
 
وبموازاة ذلك، آمن المغرب بدور دبلوماسية برلمانية مسؤولة، قائمة على احترام السيادة وتعزيز السلم وبناء شراكات قائمة على التعاون والتضامن، وجعل من العمق الإفريقي والتعاون جنوب–جنوب خيارًا استراتيجيًا للتنمية المشتركة
 
وفي إطار هذه الرؤية، تبرز المبادرات الملكية الكبرىكعلامات فارقة في مسار القارة، وعلى رأسها مبادرة “إفريقيا الأطلسية” ومشروع أنبوب الغاز نيجيريا–المغربوغيرها من المشاريع التي تتجاوز الحدود الضيقة، وتفتح افاقا استراتيجية للاندماج الاقتصادي والطاقة والاستثمار.
وتجسيدا لهذه الرؤية الملكية السامية، رآكم مجلس المستشارين تجربة معتبرة في الدبلوماسية البرلمانية، جعلته فاعلا نشيطا في المنتديات القارية والدولية، ومسهما في الدفاع عن أولويات إفريقيا، وتقريب وجهات النظر، وصياغة المبادرات المشتركة. 
وقد عمل المجلس على تطوير الدبلوماسية البرلمانية الاقتصادية، وتعزيز شبكات التعاون مع البرلمانات الإفريقية، ودعم التنسيق والحوار، والمساهمة في تقارير ومبادرات تتعلق بالمناخ، والهجرة، والسلم والأمن.
وهو يقوم اليوم، بدور مؤسساتي يعكس قناعة المغرب بأن مستقبل القارة مرتبط بقدرة مؤسساتها على التضامن والتعاون الفعال والتنمية المشتركة.
وفي هذا الإطار، نؤكد دعمنا لاعتماد “إعلان الرباط” كوثيقة مرجعية للريادة التشريعية في إفريقيا، ولمشروع تمثيلية المرأة في البرلمانات الإفريقية، ولإنشاء آلية داخلCOSPAL للتنسيق التشريعي، وإطلاق برامج للتوأمةالبرلمانية وتبادل الخبرات، وتطوير منصة برلمانية للابتكار في التشريع، خاصة في قضايا المناخ، والذكاء الاصطناعي، واقتصاد المعرفة، و تعزيز الدور الرقابي للبرلمانات في تنفيذ التزامات الدول تجاه أجندة 2063، بما يجعل صوت البرلمانات قوة اقتراح لا مجرد صدى للقرارات الحكومية.
حضرات السيدات والسادة
إن إفريقيا ليست فقط قارة الإمكانيات، بل قارة الإرادات، وبرلماناتها، إذا توفرت لها الرؤية والقدرات والتضامن، قادرة على المساهمة في رسم معالم نظام عالمي أكثر عدلا واحتراما لصوت الشعوب. 
فلنجعل من هذا المؤتمر محطة لتعميق التفكير المشترك، وتعزيز آليات التعاون البرلماني، وتطوير أدوات العمل التي تمكن مؤسساتنا التشريعية من مواكبة التحولات الدولية، ودعم الجهود الرامية إلى بناء مسارات تنموية مستقرة داخل القارة. 
أشكركم، وأتمنى لأشغال هذه الدورة كامل النجاح والتوفيق، راجيا أن تحمل مداولاتنا ما يفيد شعوبنا ويعزز مسار البناء الإفريقي المشترك.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.