كلمة رئيس مجلس المستشارين في افتتاح الندوة الوطنية في موضوع : " الصحراء المغربية من شرعية التاريخ إلى رهانات المستقبل"

كلمة السيد محمد ولد الرشيد رئيس مجلس المستشارين في افتتاح الندوة الوطنية في موضوع : " الصحراء المغربية من شرعية التاريخ إلى رهانات المستقبل"

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
السيد والي جهة العيون-الساقية الحمراء؛
السيدات والسادة البرلمانيون؛
السيدات و السادة رؤساء وأعضاء المجالس الترابية  والغرف المهنية؛
السادة شيوخ القبائل ؛
السيدات والسادة ممثلوا المجتمع المدني؛
السيدات والسادة ممثلوا وسائل الاعلام ؛
 الضيوف الكرام؛
إنه لمن دواعي الفخر والاعتزاز، باسمي الخاص ونيابة عن كافة أعضاء مجلس المستشارين، أن أرحب بكم جميعا في افتتاح أشغال هذه الندوة الوطنية الهامة، التي تنعقد تحت شعار: "الصحراء المغربية: من شرعية التاريخ إلى رهانات المستقبل".
ويأتي اختيار مدينة العيون لاحتضان هذه الندوة الوطنية، بما تحمله من رمزية  ليجسد المكانة المحورية التي تحتلها هذه الربوع الغالية في مسار تعزيز الوحدة الترابية، ويعبر، في الآن ذاته، عن حجم التحولات التنموية الكبرى التي شهدتها أقاليمنا الجنوبية، والتي تجعلها نموذجا وطنيا متميزا ومتفردا.
فعلى امتداد العقود الخمسة الماضية، شكّلت هذه التحولات ترجمة ميدانية لرؤية ملكية استراتيجية بعيدة المدى، أطلقها جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني، طيب الله ثراه، حين جعل من المسيرة الخضراء المظفرة، منطلقا تاريخيا لإدماج هذه الربوع الغالية في مشروع وطني طموح لبناء مغرب حديث، موحد ومتقدم.
وقد تعزز هذا المسار، وتوطدت دعائمه في عهد جلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذي منح للصحراء المغربية مكانة استراتيجية متقدمة في المشروع التنموي الوطني أساسه: الاستثمار في الإنسان والمجال.
وفي امتداد لهذا الخيار الاستراتيجي الوطني الراسخ، المُؤَّسَسْ على التلاحم العميق بين الشعب والعرش العلوي المجيد..
 والمشْبَع بقيم وروح المسيرة الخضراء وقسمها الخالد.. 
 تتواصل اليوم هذه الدينامية التنموية المتسارعة بأقاليمنا الجنوبية من خلال مشاريع مهيكلة وأوراش تنموية كبرى تشمل مختلف المجالات.
وهذه الدينامية، ليست إلا ثمرة لالتزام وطني راسخ.. 
ونهج متجذر في مصداقية القول وجدية الفعل؛ 
فما وعدت به بلادنا تحقّق وتجسّد واقعا ملموسا.. بفضل القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، التي جعلت، من وضوح الرؤية، وثبات الاختيار، والعمل المتواصل والاستباقي، نهجا قويما وسبيلا لبناء مغرب الإنصاف والتنمية والكرامة.
فقد انخرطت بلادنا، في تفعيل ورش الجهوية المتقدمة باعتباره خيارا استراتيجيا لتحقيق التنمية المندمجة والعدالة المجالية؛
وفي السياق نفسه، جرى تنزيل النموذج التنموي الجديد لأقاليمنا الجنوبية، الذي تحول اليوم إلى مشاريع اقتصادية كبرى، وبنيات تحتية متطورة، وبرامج اجتماعية مكّنت من خلق فرص العمل، وتعزيز جاذبية الاستثمار، وإطلاق دينامية اقتصادية واجتماعية شاملة.
وغيرها من المبادرات والمشاريع التي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك، أن ما قُدم كتصورات استراتيجية أو التزامات وطنية، قد تحول اليوم إلى منجزات واقعية.. ومكاسب ميدانية، تشهد بها التحولات العميقة التي عرفتها هذه الربوع من الوطن.
حضرات السيدات والسادة
وفي سياق هذه الدينامية التي انخرطت فيها الدولة بكل مؤسساتها، من سلطات مركزية ومحلية، ومجالس منتخبة، وفعاليات المجتمع المدني، لا بد من التأكيد على أمرين أساسين:
الأول يرتبط بالدور الوطني البارز الذي اضطلعت به قبائل الصحراء المغربية وشيوخها على امتداد الأجيال، في تَجْسيدٍ لِصدقِ الولاء والاِنتماء.. والتشبث الراسخ بالوحدة الوطنية والعرش العلوي المجيد؛
والثاني يتعلق ب: " الشرعية الشعبية والديمقراطية التي اكتسبها المنتخبون، الذين تم اختيارهم بكل حرية، والتي تجعل منهم الممثلين الحقيقيين لسكان الصحراء المغربية" كما جاء ذلك في الخطاب السامي لجلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة الذكرى السادسة والأربعين للمسيرة الخضراء.
وانطلاقا من هذه الشرعية التمثيلية، وبفضل الإجماع الوطني، تتوالى اليوم المكاسب الدبلوماسية التي تحققها بلادنا في ملف الوحدة الترابية، لا سيما على صعيد تنامي الدعم الدولي المتزايد لمغربية الصحراء ولمبادرة الحكم الذاتي، بوصفها الحل الواقعي والوحيد لإنهاء هذا النزاع المفتعل. 
وذلك، في امتداد طبيعي لمسار دبلوماسي ثابت منذ سنوات، اختار فيه المجتمع الدولي منطق الحل العملي والمسؤول بدل الجمود ..ليعزز بذلك مكانة المغرب كفاعل دولي موثوق وشريك استراتيجي في ضمان الأمن والسلم الدوليين.
حضرات السيدات والسادة
إن هذا التحول الدبلوماسي الكبير هو ثمرة ل:
رؤية ملكية استراتيجية استباقية..
رؤية جعلت من التنمية الشاملة دعامة لترسيخ السيادة.. 
ومن تقوية الجبهة الداخلية والإجماع الوطني.. سندا متينا، للترافع المتواصل دفاعا عن وحدتنا الترابية. 
وفي هذا السياق الوطني الجامع، اسمحولي أن أثمن عاليا الدور المحوري الذي تضطلع به القوى الوطنية الممثلة داخل مجلس المستشارين، من أحزاب سياسية، وتنظيمات نقابية، وهيئات مهنية.. بما راكمته من مواقف صلبة، ومبادرات مؤثرة، ومرافعات مشرفة، في الداخل كما في المحافل الدولية. 
وإن هذا الرصيد الترافعي المشترك، يمنح المؤسسة البرلمانية قدرة اقتراحية متقدمة، تعزز مكانتها، وترفع من صدقية صوت المغرب في الفضاءات الدولية.
وجدير بالإشارة في هذا الإطار، إلى أن مجلس المستشارين، وتنفيذا للتوجيهات الملكية السامية، قد حرص على جعل الصحراء المغربية، أولوية جوهرية في رؤيته الاستراتيجية، من خلال مبادرات تشريعية واستشارية، ومساهمات فعالة في المحافل الوطنية والدولية.
حيث يأتي في هذا السياق، إحداث مجموعة العمل الموضوعاتية المؤقتة حول القضية الوطنية الأولى، كتجسيد مؤسساتي واضح لهذا الالتزام، الهادف إلى تقديم الاستشارة، وتعزيز الحضور البرلماني الفاعل في منظومة الترافع الوطني، عبر إنتاج رؤى مشتركة واستشرافية، ترسخ دور المجلس في الدفاع عن ثوابت الأمة ومصالحها العليا.
حضرات السيدات والسادة
ولئن كنا نتطلع، من تنظيم هذه الندوة بأقاليمنا الجنوبية إلى تعميق النقاش المؤسساتي بشأن التحديات الراهنة والمستقبلية المرتبطة بقضيتنا الوطنية الأولى،  فذلك نابع من قناعة راسخة بأن فعالية الترافع لا تكتمل إلا بالإنصات والانفتاح على حكمة شيوخها، وخبرة نخبها، وتطلعات ساكنتها، باعتبارهم شركاء في صون الوحدة الوطنية.
ولا يسعني في الختام،  إلا أن أعرب عن جزيل الشكر لمجموعة العمل الموضوعاتية ولكل المشاركين والمساهمين في هذه الندوة، متمنيا لأشغالكم كامل التوفيق والنجاح، وأن تسهم مخرجاتها في بلورة توصيات لتعزيز الجهود الترافعية لمؤسستنا البرلمانية، على أساس الفعالية، والمبادرة، والتكامل مع الدبلوماسية الرسمية.
شكرا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
 
 
السبت 21 يونيو 2025ــ العيون.