كلمة السيد الرئيس، في الجلسة المشتركة لمجلسي البرلمان بشأن القرار الأخير لمجلس الأمن بخصوص القضية الوطنية

كلمة السيد محمد ولد الرشيد رئيس مجلس المستشارين في الجلسة العمومية المشتركة لمجلسي البرلمان بخصوص القرار الأخير لمجلس الأمن في شأن القضية الوطنية

الحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين؛

السيد رئيس مجلس النواب المحترم؛

السيد الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة الملكف بالعلاقات مع البرلمان الناطق الرسمي الحكومة

السيدات والسادة النواب المحترمون؛

السيدات والسادة المستشارون المحترمون؛

الحمد لله الذي نصر وأيد بالحق مسيرة أمة آمنت بعدالة قضيتها، ووحدت صفها خلف قيادة حكيمة، جعلت من الإيمان بالوطن عقيدة، ومن الدفاع عن وحدته الترابية التزاما ثابتا.

وها نحن اليوم، على امتداد هذه المسيرة المباركة، نجتمع تحت قبة البرلمان في جلسة مشتركة تاريخية واستثنائية، نستقبل مرحلة جديدة وحاسمة، حملتها رياح العدالة الدولية، ومعها اعتراف وإنصاف طال انتظارهما وآن أوانهما، لترسيخ حق المغرب المشروع في وحدته الترابية والسيادية.

وهي مناسبة لنتقدم جميعا بأحر التهاني إلى صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، وكافة أفراد الشعب المغربي على هذا الفتح الجديد من أجل المغرب الموحد.

لقد جاء قرار مجلس الأمن الأخير رقم 2797 ليشكل ثمرة لمسار خمسين سنة من النضال والعمل الدبلوماسي والسياسي المتواصل دفاعا عن السيادة والوحدة الترابية للمملكة.

فمن ملحمة المسيرة الخضراء إلى هذه المحطة الأممية الحاسمة، بقي الموقف المغربي ثابتا صامدا لا يتغير: الصحراء مغربية، والمغرب في صحرائه.

وعلى امتداد هذا المسار الوطني، مضى المغرب، بقيادة ملكية حكيمة، بخطى واثقة ورؤية واضحة، ليؤكد أن أقاليمنا الجنوبية ليست مجرد جغرافيا، بل هي روح وطن تسكنه البيعة، وتحييه الذاكرة، وتصونه الأجيال.

مسار يتوج اليوم بفتح جديد، كما وصفه جلالته، للطي النهائي لهذا النزاع المفتعل، في إطار حل توافقي يقوم على مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.

وقد شاءت رمزية اللحظة، أن تتقاطع هذه المحطة الأممية مع الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، وكأن التاريخ، يواصل كتابة فصول العهد بين استكمال الوحدة الترابية وتثبيت السيادة الوطنية، تأكيدا لاستمرارية المشروع الوطني في بناء المغرب الموحد، وترسيخ الأمن والاستقرار في محيطنا الإقليمي والدولي.

 

حضرات السيدات والسادة،

لقد جاء القرار الأممي الأخير ليعكس القناعة المتنامية لدى المنتظم الدولي بأن الحل في الصحراء المغربية لا يمكن أن يكون إلا في إطار السيادة الوطنية الكاملة، ومن خلال مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب منذ أبريل سنة 2007، والتي أصبحت اليوم، بفضل القيادة الحكيمة لجلالته نصره الله وأيده، واقعا سياسيا راسخا ومرجعا أمميا معتمدا، ورافعة للسلم والاستقرار الإقليميين.

وإذا كانت الدول قد اجتمعت في مجلس الأمن للتصويت لصالح القرار، فإن التاريخ يشهد أن هذا الموقف الدولي قد ترسخ لصالح المغرب، بفضل التأييد الصريح لغالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، التي عبرت عن دعمها الدائم لمغربية الصحراء، وعن عدالة قضيتنا الوطنية، وحكمة القيادة الملكية الرشيدة.

إننا اليوم، حضرات السيدات والسادة، أمام مرحلة جديدة في مسار قضيتنا الوطنية، تُطوى فيها صفحة التدبير لتُفتح صفحة التغيير، امتدادا لنهج دبلوماسي راسخ، أرسته الرؤية المتبصرة لجلالة الملك نصره الله وأيده، منذ خطابه التاريخي في نونبر 1999 بمناسبة الذكرى الرابعة والعشرين للمسيرة الخضراء، حين وضع الأسس الواضحة لمعالجة قضية الصحراء على قاعدة ثلاثية قوامها: الإنصاف، والموضوعية، والواقعية.

ومنذ ذلك التاريخ، قاد جلالته عملا دبلوماسيا استراتيجيا متأنيا وثابتا، يستند إلى الثقة في الحق الوطني والوضوح في المواقف، هدفه ترسيخ مغربية الصحراء في الضمير الدولي، وترجمة الإجماع الوطني إلى قناعة دولية.

وهكذا تحول هذا النهج الأممي المتدرج إلى واقع مؤسس في الشرعية الدولية، يعكس مكانة المغرب ومصداقيته وشراكاته الاستراتيجية على الساحة العالمية.

حضرات السيدات والسادة،

إن هذا التحول الأممي الجديد، لا يقف عند حدود تعزيز السيادة الوطنية، بل يتجاوزها إلى ترسيخ مناخ السلم والاستقرار في محيطنا المغاربي والإفريقي، باعتباره امتدادا طبيعيا للتكامل الاقتصادي والتلاحم الإنساني.

فهذا القرار الأممي يفتح أمام المنطقة برمتها أفقا جديدا للتفاهم والتعاون، وكما أكد جلالة الملك محمد السادس نصره الله، فإن الأمر لا يتعلق بانتصار طرف على آخر، بل بتكريس خيار وطنيّ يصون كرامة الجميع، ويعزز قيم السلم والتنمية المشتركة.

وأستئذنكم في هذا المقام، أن أفتح قوسا شخصيا، لأعبر بكل صدق ووجدان، عما يختلج نفسي من مشاعر لا أستطيع مغالبتها، كواحد من أبناء الصحراء المغربية، الذين تَشكّل وعيهم على القيم الوطنية وعلى وروح المسيرة الخضراء وقسمها الخالد، بما تحمله من معاني الوفاء للعرش والإخلاص للثوابت الوطنية الراسخة.

واليوم، وأنا أعيش هذه اللحظة التاريخية، أقول بملء القلب واليقين، من موقع الانتماء قبل المسؤولية، إن ما تحقق من منجزات تنموية في أقاليمنا الجنوبية بفضل الرؤية المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، هو تحول عميق طال الانسان والمكان معا.

فهذه الربوع التي كانت قبل عقود تواجه التحديات، أصبحت اليوم فضاء منتجا للفرص، تزدهر فيها المبادرات الاقتصادية والاجتماعية، وتتعزز فيها مقومات العيش الكريم.

وحين نرى أبناء الصحراء يعيشون اليوم هذا الرخاء والأمن والكرامة في ظل السيادة الوطنية، لا يسعنا إلا أن نتطلع إلى اللحظة التي يلتحق فيها إخواننا في مخيمات تندوف بوطنهم الأم، ليشاركوا في هذا المسار الوطني الجامع، بما يعزز الاستقرار والكرامة والتنمية العادلة والمنصفة للجميع.

إن كل ما تحقق، حضرات السيدات والسادة، هو ثمرة لمسار طويل من التلاحم والإجماع، وتعبيرا صادقا عن قوة وتماسك الجبهة الداخلية، الذي جسدته تضحيات المغاربة قاطبة في كل ربوع المملكة، وفي طليعتهم أبناء الأقاليم الجنوبية، من شيوخ القبائل والمنتخبين الممثلين الحقيقيين للساكنة وباقي الفاعلين، الذين حملوا على عاتقهم رسالة الدفاع عن الوحدة الترابية في الداخل والخارج، وجعلوا من مشاركتهم السياسية المكثفة، ومن حضورهم الفاعل داخل المؤسسات وفي معركة البناء والتنمية، أبلغ تعبير عن صواب الموقف المغربي وعدالة قضيته.

حضرات السيدات والسادة

إن القرار الأممي بشأن الصحراء المغربية لا يمثل نهاية الطريق، بل بداية عهد جديد للمنطقة بأكملها، يؤسس لمرحلة من التعاون والتكامل، ولرؤية مغاربية تتطلع إلى أفق من الوحدة والتنمية المشتركة.

واليوم، نحن أمام فرصة تاريخية حقيقية لاستعادة روح الاتحاد المغاربي، كمشروع جماعي للسلام والازدهار، يعيد إلى المنطقة مكانتها الطبيعية في محيطها الإقليمي والدولي.

وقد علمنا التاريخ أن من يدير ظهره للمستقبل يهدر فرص اللحاق بقطار التنمية والتقدم... فلنغتنم هذه اللحظة التاريخية لبناء مستقبل إقليمي مشترك، يعكس إرادة شعوب المنطقة وتطلعاتها نحو الأمن والكرامة والتنمية.

وفي هذا الأفق الإقليمي الواعد، تتجسد الرؤية الاستراتيجية المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، التي جعلت من الأقاليم الجنوبية حلقة وصل ومركزا للإشعاع الاقتصادي والتنموي، من خلال مشاريع مهيكلة كبرى تعزز الارتباط الإفريقي للمملكة، وتجعل منها فاعلا موثوقا في التعاون جنوب–جنوب، وشريكا فاعلا، في بناء، إفريقيا متضامنة، وآمنة، تنعم بالسلم والتنمية المشتركة.

حضرات السيدات والسادة

في ظل هذا الزخم السياسي والدبلوماسي والتنموي الذي تعرفه الصحراء المغربية، لا بد من التأكيد على أن قرار مجلس الأمن ليس مجرد محطة من محطات تكريس السيادة المغربية، بل هو تتويج لمسار وطني جماعي متواصل، يعكس عمق التحولات الميدانية، وتزكية لمسار من الإنجازات الواقعية التي تجسدت أمام أنظار المجتمع الدولي في أقاليمنا الجنوبية، والتي تتعزز كل يوم بإنجاز جديد، وبمؤشرات تنموية تدعم السيادة الاقتصادية للمملكة.

وإذا كنا اليوم نعيش لحظة الاعتزاز بهذا القرار الأممي التاريخي، الذي يشكل قوة دفع حقيقية لتجديد عزيمتنا جميعًا على المضي قدمًا في مسار البناء والتنمية، فإن ما تحقق ما كان ليبلغ مداه لولا المكانة الرفيعة والمتميزة التي يحظى بها جلالة الملك محمد السادس نصره الله، والتقدير والاحترام الكبيرين لدى المنتظم الدولي وفي مختلف المحافل الإقليمية والجهوية والعالمية، حيث يُقرن اسم المغرب اليوم ببلد الأمن والاستقرار، وبالرؤية الملكية الحكيمة والمتبصرة لسياساته الخارجية.

وعلى امتداد هذا المسار المتميز، برزت الدبلوماسية المغربية كخيار قائم الذات، ثابت المبدأ، تُعزز موقعها بثبات، وتكسب احترام شركائها بوضوح رؤيتها ومصداقية مواقفها.

ومن هذا النهج المتفرّد، تنبثق أيضًا باقي الواجهات الدبلوماسية، وفي طليعتها الدبلوماسية البرلمانية، باعتبارها امتدادًا طبيعيًا لنظيرتها الرسمية ومكملة لها.

ومسؤوليتنا اليوم، كبرلمانيين ممثلين للأمة، هي أن نواصل العمل بعزم وإصرار لتطوير الفعل الدبلوماسي البرلماني في أبعاده السياسية والسوسيو–مهنية والاقتصادية، وتعزيز حضوره الفاعل في مختلف المنتديات البرلمانية الإقليمية والدولية دفاعًا عن مصالح المغرب الحيوية وقضاياه العادلة.

كما يفرض علينا الواجب الوطني أن نترجم هذا الزخم السياسي والدبلوماسي إلى فعل مؤسساتي وتنموي متجدد، ويفتح أمام أقاليمنا الجنوبية آفاقًا أرحب، تكريسًا للثقة التي يضعها جلالة الملك في المؤسسة البرلمانية، وتعزيزًا للدور الريادي الذي تضطلع به في التزام بالثوابت الوطنية الجامعة.

وسنحرص أن نواصل، بإذن الله، العمل بنفس الروح الوطنية، في ظل التوجيهات الملكية السامية، حتى تبقى قضية الصحراء المغربية عنوانًا للوحدة الوطنية، ونموذجًا في القيادة الرشيدة والدبلوماسية المتبصرة، والتنمية التي تجعل من كل خطوة مغربية خطوة نحو المستقبل الواعد والمزدهر.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.